Autor: |
قصي منصور التركي |
Kategorie: |
|
Popis: |
تمتد حضارة العراق في جذورها وأصولها إلى أقدم العصور قبل التاريخ، لتستمر في نضجها وازدهارها حتى أوائل العصر الميلادي، وانتشرت تأثيراتها وتراثها إلى أقاليم حضارية عدة، ولاسيما المجاورة لها، ووضعت في جنوب العراق أسس العلوم والمعارف والقوانين المدونة والتنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وخلفت تبعاً لذلك تراثاً ضخماً في الحضارات المعاصرة والثقافات اللاحقة، ولم تكن عملية البناء الحضاري في أرض العراق، بلاد سومر واكد سهلة، إذ كانت تحتاج إلى توافر المواد الأولية بجميع أصنافها، ولا تنطبق هذه الحقيقة على حضارة العراق فحسب، بل على حضارات الأمم القديمة والحديثة جميعاً، فمتطلبات الحياة ومقومات تطوير الحضارة استدعت على نحو ضروري توافر مواد، لا يمكن بيئة على انفراد أن توافرها جميعاً، خاصة أن بيئة العراق تفتقر إلى كثير من المواد الأولية التي تحتاج إليها عملية البناء الحضاري، فكان لزاماً على إنسان العراق أن يجلبها من بيئة ثانية، معتمداً في تحقيق ذلك على تطور قدراته التي منها تطور وسائل مواصلاته، واكتشاف الطرق المؤدية إلى تلك المواد في جهات متعددة، كان من أهمها وأكثرها تطلعاً في نظر سكان العراق مناطق الخليج العربي المحاذية لأرض الجزيرة العربية، إذ كانت تلك الأراضي وطرقها الساحلية تعد نقاط اجتياز أساسية بين مراكز الحضارات القديمة، فالشهرة الواسعة التي حظي بها الخليج العربي وقدسية جزره عند السومريين منذ منتصف الألف الرابع، إضافة إلى قدرته العالية على استيعاب خطوط المواصلات البحرية القديمــة، وتوافر المواد الأولية في أراضيه، مقابل ما يتميز به العراق من تقدم سياسي وحضاري وفني في مؤسساته، ساهم في جعل الإنسان العراقي والخليجي يدرك أهمية التفاعل الحضاري، خصوصاً مع الحاجة إلى متطلبات جديدة ومتزايدة في حياة الإنسان السياسية والاقتصادية والدينية. إن هذه الأسس والمتطلبات الضرورية كانت المحفز للنشاطات الحضارية لبني البشر ولا تزال، مع ما يترتب عليها من تطوير وتغيير في حياة الإنسان وحضارته بفعل الزمن، والتي تساهم خلال دراستها في الكشف عن صلات حضارية بين إقليمين متجاورين مثل العراق والخليج العربي، وهو موضوع الدراسة، واقتضت الضرورة الجغرافية المتعلقة بموقع العراق المطل على الخليج العربي جنوباً أن تقتصر الدراسة على منطقة حضارة جنوب العراق خلال فترة تاريخية محددة بالألف الثالث، بيد أنها لا يمكن أن تحدد من حيث التأثيرات الحضارية بين الشعوب في منطقة حضارية واحدة متجانسة. إن الهدف من هذه الدراسة توضيح قدم الصلات الحضارية وأدلتها بين العراق والخليج العربي وأهمية إحداهما على الأخرى، بفعل ما يتصف به كل إقليم من قدرات، وربما تكون لهذه الدراسة أهمية خاصة في إظهار العلاقات الثقافية والبشرية، وحاجة كل إقليم إلى الآخر قديماً وحديثاً في ظرف عسير، تمر به المنطقة، والتي هي بأمس الحاجة إلى الحوار الحضاري والثقافي المتبادل بين الشعوب، لتتحقق بذلك الوحدة الحضارية والثقافية. |
Databáze: |
eBook Index |
Externí odkaz: |
|